جمال منصور .. الميلاد والنشأة
لم تكن الدموع التي انهمرت من عيون عشرات آلاف الفلسطينيين في الوداع المشهود بمدينة جبل النار للشهداء الثمانية من فراغ أو صدفة، بل كانت استشعاراً بالمصاب والخسارة الكبيرة التي مُنيت بها فلسطين، بل والعالمين العربي والإسلامي باستشهاد القائد الشيخ جمال منصور عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
لم تكن الابتسامة تفارق الشهيد حتى في أعزِّ الأيام حلكة، بل إن البعض كان يلجأ إليه عندما يكون متضايقا أو يعيش في أزمة؛ لأن المكوث معه يمنح القوة والعزيمة، وكان الكثيرون يتوجهون إليه لاستشارته في الأزمات للاستماع إلى إرشاداته ونصائحه.
جمع الشيخ جمال منصور العقول والقلوب على حبِّ الدين وحب فلسطين الوطن والهوية، ولم تلن له قناة ولم يهدأ له بال طالما بيارات البرتقال حزينة متشوقة لدمه الطاهر الذي وهبه حباً وكرامةً حتى يعيد الحياة لأغصانها الندية..
فقد سخّر فكره وجذوة روحه وجهده ليُخرجَ من هذه الأمة الثكلى رجالاً يحملون المصحف بيد وبالأخرى بندقية، لقد رسَّخ مفهوم الوحدة كما يراها بمنظوره الوحدوي البعيد عن الحزبية والفئوية الضيقة، فكان نبراساً وشعلة في التلاحم والعطاء، فلم يكن يوماً لينطوي على نفسه أو على منْ حوله، بل مدَّ يده لكل سفينة تمخر عُباب فلسطين ليوصلها إلى برِّ الأمان.
قرية "سلمة" ومخيم "بلاطة"
كان ميلاد جمال منصور في الحي الشمال لمخيم بلاطة بنابلس في 25/2/1960نقطة البداية والمعاناة، فقد كتب القدر عليه الألم في أن يعيش بعيداً عن بلده الأصلي "سلمه" قضاء يافا بعد أن استقرت أسرته في مخيمات اللجوء في العام 1948.. عاش جمال طفولة عادية في منزل شيَّدته وكالة الغوث واختار لنفسه غرفة صغيرة لا تتعدى مساحتها أربعة أمتار تقع على شارع فرعي ولديها مدخل خارجي، والتحق الشهيد بمدارس المخيم الابتدائية والإعدادية ثم انتقل إلى مدرسة قدري طوقان الثانوية، ومنها أنهى مرحلة الدراسة الثانوية.
ارتبط بدعوة الإخوان المسلمين مُبكِّراً ومن ثمَّ التحق بجامعة النجاح الوطنية بين عامي 1978-1982م؛ حيث درس المحاسبة وإدارة الإعمال وحاول إكمال دراسته في الخارج إلا أنَّه مُنع لأسباب أمنية، وكان خلال مدَّة دراسته رئيسا للكتلة الإسلامية الإطار الطلابي المميز داخل جامعة النجاح، كما أسَّس إطارا طلابيا نقابيا آخر على مستوى الوطن باسم الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، عمل بعدها كمحاسب في سوق الخضار (الحسبة) وكذلك الحال في فندق داخل فلسطين المحتلة حيث تعلّم اللغة العبرية بطلاقة، وعمل أيضا في شركة للمقاولات ومندوبا بالإغاثة الإسلامية في الضفة الغربية، وكان يغطي احتياجات عوائل الأسرى والشهداء والأيتام والجرحى، وكان له شرف تأسيس أول مكتب للإغاثة ينشط في هذا المجال، وكان بارعا في الكتابة وتعامل بكتابة التقارير والمقالات لعدد من الصحف والمجلات.
شيخ ابيض في لباس ابيض
ولطالما باحت والدة الشهيد- رحمة الله -لزوجها عن تلك المشاعر الغريبة ، والأحلام العجيبة التي رافقت الحمل في شهوره التسع ؛ كانت تشعر دائما أن حملها هذا مختلف تماما عن كل حمل مضى ؛ فهو حمل خفيف لطيف .. لا يثقل الكواهل ، ولا يضاعف الأوجاع ، ولطالما صرحت الأم ببعض أحلامها التي ضنت بها ، ورأت بها بشارات؛ فقد شاهدت في إحدى مناماتها أن الحائط قد انشق وخرج منه شيخ جليل في لباس أبيض - إذ أن الأرض كانت على موعد لاستقبال هذه الهدية النوعية بتاريخ 25\2\1960م وتصافحت الزغاريد المستبشرة بهذا القادم الجديد مع ذلك الحلم الصادق.
صدقت أيها الشيخ وصدقت نبوءتك .إنه ولد وأي ولد!!! ولد رأت -فيه - الأم قبل مولده تميزا قرت له عينها وبشت له مشاعرها ، ورضيت به نفسها الزكية ، إنه الحدس الغيبي الذي لا يخيب ولا تفسره قوانين الطبيعة ، إنه الرضا -كما تقول العجائز -لا غير ؛ إذ خف بها الحمل ، وصدقت عندها الرؤيا ، بل ولمحت تحت ذقنه الصغير حين الولادة بعض الشعيرات القصيرة التي تشبه اللحية في أول منابتها .
أحبت الأم طفلها ، ورق له قلبها، وضنت به دون غيره ، وأخفت حنانها عن عيون الحاسدين ، وأخذت ترعاه باسم الله ، وتحوطه بالمعوذتين وتدعو الله له بالحفظ والصون . وسرعان ما بدأت الأم تلمح في طفولته معالم الفطنة والذكاء ؛ فزاد حبها له ، وزاد مع الحب الخوف عليه ؛ يقول شقيق الشهيد: حدثتني والدتي – رحمها الله- قالت : كنت استيقظ على جمال في بعض الليالي ؛ فأجده واقفا يصلي –وهو نائم- فأسمي عليه ، وأعيده إلى النوم " .
كان الجميع يشعرون بتميزه : تميز بين إخوانه، وتميز عن باقي أفراد العائلة ، كانت طفولته هادئة كمر النسيم العليل ، ورغباته متواضعة كالعالم الملائكي الجليل ، فلا يطلب إلا لحاجة ، ولا يثور الا في النادر القليل .. كان مؤدبا وخلوقا منذ صغره ؛ غير مؤذ في لعبه ، وإذا ما تشاكس الغلمان وتشاكوا رأيته بعيدا عن معمعان التشاكي، واقفا في الحياد مصلحا أحيانا وأحيانا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كان -كما تقول أمه – مرضيا عندها محبوبا عند إخوانه وأخواته ،أما أهم خصائصه المميزة كما شهد له بذلك ذووه فهو عقله الذي كان يكبره سنا .
تلك هي الصورة التشكيلية الأولى التي أبدعتها ملامح الطفولة الأولى لهذا الفتى الناشئ ، لوحة فنية متميزة سرقت الأنظار وأمالت لها القلوب ، نبتة تشبه الكثير من النباتات من اسمها وشكلها العام بيد أنها تأسرك بمذاقاتها الخاصة ورحيقها العذب ، وتأخذك بدقة التصوير فيها فما أجمل ابداع الخالق حين تتجلى قدرته!!خلق الإنسان في احسن تقويم ، ثم هداه النجدين ،وزينه بالعقل والحكمة والدين ؛ ومن أتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
ولطالما باحت والدة الشهيد- رحمة الله -لزوجها عن تلك المشاعر الغريبة ، والأحلام العجيبة التي رافقت الحمل في شهوره التسع ؛ كانت تشعر دائما أن حملها هذا مختلف تماما عن كل حمل مضى ؛ فهو حمل خفيف لطيف .. لا يثقل الكواهل ، ولا يضاعف الأوجاع ، ولطالما صرحت الأم ببعض أحلامها التي ضنت بها ، ورأت بها بشارات؛ فقد شاهدت في إحدى مناماتها أن الحائط قد انشق وخرج منه شيخ جليل في لباس أبيض - إذ أن الأرض كانت على موعد لاستقبال هذه الهدية النوعية بتاريخ 25\2\1960م وتصافحت الزغاريد المستبشرة بهذا القادم الجديد مع ذلك الحلم الصادق.
صدقت أيها الشيخ وصدقت نبوءتك .إنه ولد وأي ولد!!! ولد رأت -فيه - الأم قبل مولده تميزا قرت له عينها وبشت له مشاعرها ، ورضيت به نفسها الزكية ، إنه الحدس الغيبي الذي لا يخيب ولا تفسره قوانين الطبيعة ، إنه الرضا -كما تقول العجائز -لا غير ؛ إذ خف بها الحمل ، وصدقت عندها الرؤيا ، بل ولمحت تحت ذقنه الصغير حين الولادة بعض الشعيرات القصيرة التي تشبه اللحية في أول منابتها .
أحبت الأم طفلها ، ورق له قلبها، وضنت به دون غيره ، وأخفت حنانها عن عيون الحاسدين ، وأخذت ترعاه باسم الله ، وتحوطه بالمعوذتين وتدعو الله له بالحفظ والصون . وسرعان ما بدأت الأم تلمح في طفولته معالم الفطنة والذكاء ؛ فزاد حبها له ، وزاد مع الحب الخوف عليه ؛ يقول شقيق الشهيد: حدثتني والدتي – رحمها الله- قالت : كنت استيقظ على جمال في بعض الليالي ؛ فأجده واقفا يصلي –وهو نائم- فأسمي عليه ، وأعيده إلى النوم " .
كان الجميع يشعرون بتميزه : تميز بين إخوانه، وتميز عن باقي أفراد العائلة ، كانت طفولته هادئة كمر النسيم العليل ، ورغباته متواضعة كالعالم الملائكي الجليل ، فلا يطلب إلا لحاجة ، ولا يثور الا في النادر القليل .. كان مؤدبا وخلوقا منذ صغره ؛ غير مؤذ في لعبه ، وإذا ما تشاكس الغلمان وتشاكوا رأيته بعيدا عن معمعان التشاكي، واقفا في الحياد مصلحا أحيانا وأحيانا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كان -كما تقول أمه – مرضيا عندها محبوبا عند إخوانه وأخواته ،أما أهم خصائصه المميزة كما شهد له بذلك ذووه فهو عقله الذي كان يكبره سنا .
تلك هي الصورة التشكيلية الأولى التي أبدعتها ملامح الطفولة الأولى لهذا الفتى الناشئ ، لوحة فنية متميزة سرقت الأنظار وأمالت لها القلوب ، نبتة تشبه الكثير من النباتات من اسمها وشكلها العام بيد أنها تأسرك بمذاقاتها الخاصة ورحيقها العذب ، وتأخذك بدقة التصوير فيها فما أجمل ابداع الخالق حين تتجلى قدرته!!خلق الإنسان في احسن تقويم ، ثم هداه النجدين ،وزينه بالعقل والحكمة والدين ؛ ومن أتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.